المرأة ضد أنوثتها عبد الله الغذامي
"ما أروع وما أسوأ ان تكون امرأة"
غادة السمان
ترسخت
العلاقة مابين اللغة المكتوبة والرجل على مدى ثقافي وحضاري سحيق حتى أصبحت
الكتابة صفة من صفات الرجل ووظيفة من وظائفه المخصوصة والمميزة.
وتبدت هذه العلاقة الثقافية وكأنما هي علاقة عضوية وحق طبيعي.
ولذا حرصت الثقافة الذكورية على حماية هذا (الحق الطبيعي) واحتكاره لها دون الأنثى.
وجرى تزهيد المرأة بالعلم والكتابة وتخويفها منها.
ذاك عالم الرجل,فالقلم مذكر لا من حيث الصيغة اللغوية فحسب,وإنما هو مذكر – أيضاً – من حيث الصفة الثقافية والوظيفة الحضارية.
هذا هو الإفراز الثقافي والناتج المعرفي لسيطرة الرجل على الكتابة وعلى تاريخ اللغة.
وحينما
تأتي المرأة أخيراً وتتسلل الى امبراطورية الرجل وتقتحم آخروأهم قلاع
اللغة,وهي الكتابة,فإنها تثير فينا سؤالاً تفرضه طبيعة الثقافة بوصف
الثقافة احتكاراً ذكورياً.
والسؤال هو: هل بيد المرأة أن تجمع بين أنوثتها ومهنة الكتابة (أي مهنة الرجل)....؟
هل ستحتفظ بشروط نسويتها وتتصف مع هذا بصفة وتتصف مع هذا بصفة رجولية (الكتابة) ....؟
إن
سؤالنا هذا ليس فكرة افتراضية,ولكنه سؤال نقدي تقترحه علينا – وتفرضه –
أعمال واحدة من أبرز النساء الكاتبات ومن اكثرالنساء شهرة وانتشاراً
وأهمية,وهي الكاتبة غادة السمان.
إنه سؤال يختبىء تحت لغة هذه الكاتبة ويندس بين سراديب خطابها الإبداعي.
إنه سؤال يدفعنا الى سؤال آخر هو:
هل
كتابة المرأة إفصاح عن (الأنوثة)...أم أنها هروب عن (الأنوثة) وتسام عن
صفة الأنثى في المرأة وترفع عن الجسد المؤنث وبالتالي فالكتابة مفارقة
للأنوثة وليست تعبيراً عنها...!
هل المرأة تفر من أنوثتها لتتلبس بذكورية القلم,منذ ان كانت الأنثى بلا رصيد ثقافي / كتابي.
وليس أمامها سوى الرجل بثقافته ومهنته التي هي الكتابة..؟
ولذا فإن النموذج المحتذى هو نموذج ذكوري,بينما لايحمل نموذجالأنثى سوى صورة الجاهلة والأمية.
ويحكم على نجاح المرأة – وتحكم هي على تفوقها – قياساً على المنجز الإبداعي للرجل.
فالرجل هو القياس وهو الميزان.
ولذا
صارت هذه المفارقة الخطيرة لدى المرأة الكاتبة.بين أن تكون أنثى كاملة
الأنوثة من جهة,وكاتبة كاملة في تميزها الإبداعي من جهة ثانية.
وظلت صورة (الأنثى) التقلدية تبرز من فوق سطح اللغة وكأنها نقيض ومضاد ثقافي لصورة الكاتبة.
هذا
مأزق وجودي تقع فيه كتابة المرأة,وليس الفكاك منه بالأمر الهين,وعلى الرغم
من بروز غادة السمان على أنها كاتبة من أكثر الكاتبات تحريراً للغة ومن
أكثرهن كشفاً عن أنوثتها إلا أن كتابتها تنطوي على هذه (المفارقة) التي
أشرنا إليها هنا