وعلي الرغم مما قاله فالنتين ، فإن جيسوب أصر علي الصمت التام ، ولم ينف أو يؤيد ما قاله زميله ورفض تماما الإدلاء بأية أحاديث صحفية ، أو حتي إجابه سؤال واحد ...
وهكذا فقد جون دليلا قويا ، كان يمكن أن يحسم الأمر تماما ..
ولكن حملته نجحت في تفجير القضية ، وفي دفع العقول التي التفكير في صحة ما حدث ..
بل ودفعت فريقا من العلماء الي دراسة إختمالات حدوث تلك التجربة عمليا ..
وجائت النتائج مدهشة ..
معظم العلماء أكدوا أن الأمر قابل للحدوث من الناحية العملية ، إذا ما أمكن توليد حقل كهرومغناطيسي فائق ، حول جسم ما ، مع الإستعانة بقوة الجاذبية الأرضية ، والرنين البالغ ، ولكن هذا لا يمكن أن يلح ، من الناحية العملية ، بالنسبة للبشر والكائنات الحية ..
فالهدف من التجربة ، هو كسر الإنعكاسات الضوئية ، والوصول بمعامل الانكسار الي الصفر ، بحيث تعبر الأشعة من خلال الجسم مباشرة ، علي نحو يجعله غير مرئي ..
ولو حدث هذا مع البشر ، فسيعني أن الضوء لن يسقط أو يستقر عند شبكية العين ..
وهذا يعني أن يصاب الانسان بالعمي التام ، فلا يري من حوله سوي ظلام دامس ..
بل ، وكتب أحد العلماء مقالا يؤكد فيه أن النظرية نفسها ، تجعل قصة الرجل الخفي للكاتب (هربرت جورج ويلز ) مجرد عبث غير علمي ، بإعتبار أن ذلك الرجل سيصبح أعمي ، يحتاج الي من يمد له يد المساعدة خلال فترة إختفائه ....
وخلال تلك الفترة ، إنتبه ( جون كاربنتر ) الي حقيقة مدهشة لم يحاول إستغلالها قط ، وهو يشن حملته هذي ، لإثبات حدوث تجربة فيلادلفيا الرهيبة ..
(ألبرت أينشتين )
فشهادة فيليب دوران ، في بلداية الأحداث كانت تشير الي أن اينشتين نفسه كان يشرف علي تلك المولدات المغنطيسية في ساحة البحرية في فيلادلفيا في أثناء إجراء التجربة .. وإسم شهير مثله ، كفيل بإثارة الموقف كله ، علي نحو مختلف تماما ..
وهنا، وحتي لا يتورط جون فيما يمكن أن يدينه قانونا ، راح يجري بعض الأبحاث حول حياة وعمل ( ألبرت اينشتين )
وكانت النتائج رائعة ..
ففي عام 1940 نشر أينشتين نظرية الحقل الموحد لأول مرة ، ثم تم تعيينه في البحرية الأمريكية كعالم له شأنه ، من 31 مايو 1943 وحتي 30 يونيو 1944 .. وكأنما كانت البحرية تحتاج الي وجودة الرسمي ، في هذي الفترة بالتحديد ...
والأهم أن اينشتين قد نقل مكتبه في البحرية الي فيلادلفيا ، كما تقول الوثائق الرسمية من 18 سبتمبر 1943 وحتي 30 اكتوبر من العام نفسه ..
ولكن الأكثر خطورة هو أن أينشتين قد أعلن منذ عامين فحسب ، ردا علي بعض معارضي نظريته ، أن لديه نتائج تجريبية مقنعة للغاية ، عن العلاقة بين القوي الكهرومغنطيسية والجاذبية الأرضية , وإن لم يجد بعد دليلا رياضيا علي هذا ، مما يوحي بأنه قد شاهد تجربة عملية ، تؤكد كل هذا ..
ووفقا للتواريخ والملابسات ، لابد أن تكون هذي هي تجربة ( فيلادلفيا)
ومع نشر هذا الأمر ، قامت الدنيا ولم تقعد ، نظرا لوجود إسم اينشتين هذي المرة مرتبطا بالتجربة الرهيبة ..
واندفع جيش الصحفيين نحو ألبرت أينشتين هذي المرة ، وهو يمني نفسه بالحصول علي سيل من المعلومات ، من هذا العالم العبقري البسيط ..
ولكن كانت في أنتظارهم جميعا مفاجأة ...
مفاجأة مذهلة ..
ومؤلمة بحق ......
وهي أن أينشتين لم يجب أي سؤال من أسئلتهم ..
لأنه عندما وصلوا الي منزله ، كان قد غادر الحياة كلها ، ومات في هدوء في عام 1955 ..
ومع رحيل اينشتين في هذا التوقيت الدقيق جدا ، خبت الحماسة فجأة بشأن تجربة فيلادلفيا ، ولم يعد أحد يتابع أخبارها أو حتي المقالات الحماسية التي يكتبها جون عنها ..
ومع الوقت ، نسي جون نفسه الأمر ، وبدأ يستغل شهرته في القاء المحاضرات وإقامة الندوات ، وسرعان ما تزوج ، وانشغل بعائلته الجديدة عن الأمر كله ..
وفي أوائل الستينات ، فوجئ الكل بعالم فيزيائي جليل وهو ( فرانكليني راينهارت ) يقول في حديث تليفزيوني مذاع علي الهواء مباشرة :
(( أينشتين كان يعرف جيدا تجربة فيلادلفيا وكان يعمل فيها منذ عام 1940 مع البروفيسور ( رودلف لارنبرج) ولقد طلبا مني معاونتهما في مشروع يتعلق باستخدام الحقول الكهرومغناطيسية القوية ،لإحاطة السفن والمدمرات بغلاف واق ، يؤدي الي إنحراف الطوربيدات بعيدا عنها .. ولقد بدأنا العمل في ذلك المشروع بالفعل ثم لم نلبث أن طورنا الفكرة الي اطلاق الحقل الكهرومغناطيسي في الهواء بدلا من الماء لإخفاء السفن بصريا .. وكل ما كان يقلقنا هو الآثار الجانبية التي قد تحدث نتيجة للتجربة وكان من ضمنها احتمال غليان الماء ، أو تأين الهواء حول السفينة ، أو أي من تلك الأمور التي تؤدي الي حالة من عدم الاستقرار ، إلا أن أحدا منا .. حتي أينشتين نفسه لم يفكر في إحتمالات إحلال الكتلة والتداخل بين الأبعاد))
عبارة البروفيسور راينهارت الأخيرة لم تكن مفهومة للعامة ، ولكنها أثارت في العقول إحتمالا جديدا ، لم يخطر ببال أحد أبدا ، طوال فترة الحديث عن تجربة فيلادلفيا ...
تري هل تسببت التجربة في حدوث فجوة بين الأبعاد المختلفة ، أم أنها فتحت بوابة الي عالم آخر ؟؟؟!!! ...
إحتمالات بدت كلها أشبه بالخيال العلمي ، علي الرغم من علميتها المطلقة ..
ولقد حاول الصحفيون الاستفسار عما قاله الدكتور راينهارت ومعرفة ما الذي كان يعنيه بمصطلحي ( احلال الكتلة ) و( التداخل بين الأبعاد (
ولكن راينهارت أيضا لم يجب عن اسئلتهم ، لأنه لقي حتفه في حادث سيارة مروع ، تمزق بعدها جسده تماما ..
وهنا ، وعلي الرغم من عدم التصريح بهذا ، اتجهت أصابع الاتهام الصامتة الي السلطات الحكومية ، والي القوات البحرية الأمريكية بالتحديد ، باعتارها المسئولة عن مصرع راينهارت ، كمحاولة منها لإخراس الألسنة التي تثرثر بشأن موضوع تجربة فيلادلفيا الرهيبة ، ومحو أي أدلة مادية أو بشرية خاصة وأن فيليب دوران قد اختفي في ظروف غامضة ، بعد خروجه من ذلك المقهي البسيط ، علي حدود (نيوجيرسي) ، في حين تم تعيين البروفيسور (ألند) في المخابرات المركزية بحيث يخضع لقانون السرية ، الذي يحظر عليه الكلام في الأمر أو في أيه امور اخري تتعلق بالأمن القومي ..
وأدرك الكل ، وعلي رأسهم جون كاربنتر نفسه ، أن الأمر يتجاوز حدود قدراتهم ، فلاذوا بالصمت التام ، باعتبار أن حياتهم أغلي من البحث عن حقيقة تجربة فاشلة ، أيا كانت معطياتها ..
ومرت السنوات في هدوء ، وأصدر ( تشارلز بيرلتز) كتابا شهيرا عن تجربة فيلادلفيا في أوائل السبعينات وقد كان كتابا رائعا أنصحكم بقرائته لمن يريد الاستزادته عن هذا الوضوع ..
المهم ..
كنا عند كتاب ( تشارلز بيرلتز ) الذي بدا وكأنه آخر قول في هذا الأمر ، الذي انخفض الاهتمام به وتحول الي اسطورة غامضة ، تماما مثل ( مثلث برمودا ) ، و( الأطباق الطائرة) ، و( وحش بحيرة لوخ نس ) وغيرها ..
ثم مات الدكتور جيسوب عام 1973 ، وهو آخر من ارتبط اسمه من العلماء بتجربة فيلادلفيا ..
وتنفس قادة البحرية الأمريكية الصعداء ، باعتبار أن هذا يحسم الأمر تماما ، بعد سنوات من الشد والجذب ..
ولكن ( جيسوب ) كان قد ترك وراءه مفاجأه غير سارة لهم ..
مفاجأة تتمثل في في خطاب بخط بده تركه لدي محاميه وطلب تسليمه الي جون كاربنتر بعد وفاته ...
وفي رسالته قال جيسوب :
((تجربة فيلادلفيا كانت كارثة حقيقية بكل المقاييس ، ولقد تنبأت بفشلها ، قبل حتي أن تبدأ ، فقد اعتمد فيها اينشتين علي نظرية الحقل الموحد التي اعارضها بشدة ، وعلي مزج المجال الكهرومغناطيسي بالجاذبية الأرضية ، مع اشعاع نووي محدود ، والواقع انني قد التقيت ببعض ضباط وعلماء البحرية حول هذا الأمر ، وأخبرتهم أنها تجربة مهمة بحق ، ولكنها بالغة الخطورة ، وقاسية جدا علي المتورطين فيها ، والذين سيتعرضون الي رنين مغنطيسي هائل ، وهذا يعادل ما يمكن أن نطلق عليه الطمس المؤقت للبعد ، الذي نحيا فيه .. شئ يخرج عن نطاق السيطرة ، ويمكن أن يؤدي الي اختراق بعدنا الي مستوي آخر ، أو بعد آخر .. ولكنهم لم يستمعوا الي .. ربما لأنني أقل شهرة من اينشتين ، الذي يعتبرونه اسطورة في الفيزياء .. المهم أن التجربة قد أجريت ، ونجح اينشتين في اثبات العلاقة بين أنواع الطاقة وحقول القوي المختلفة ، وأكد صحة الجزء الخاص بالاندماج في نظرية الحقل الموحد اذ اختفت السفينة بالفعل ، ولكن الحقل تسبب في خلق منطقة مضطربة ، بدلا من الغياب الكامل للألوان ، كما أن وجود أفراد الطاقم المساكين داخل حقل عنيف للطاقة ، أصابهم باضطرابات وهلاوس عنيفة ، حتي أننا كنا نسمع صراخهم المذعور ، خلال الدقائق القليلة ، التي اختفت فيها السفينة ، كما لو أن أحدا داخلها يذبحهم ذبح النعاج .. ))
وفي نهاية خطابه ، كتب جيسوب وكأنه يعتذر عن اشتراكه في التجربة الرهيبة :
((وأيا كانت النتائج أو حتي الفوائد المرجوة من هذي التجربة فلم يكن من الجيد أبدا أن أسمح لهم باجرائها ، أو أن اشارك فيها ... تقبلوا أسفي ))
ونشر جون رسالة جيسوب ثم استقل سيارته للعودة الي منزله ..
ولكنه لم يصل اليه أبدا ..
لقد اختفى ( جون كاربنتر ) ، واختفت معه رسالة جيسوب الأصلية الي الأبد ، دون أن تتوصل التحقيقات المكثفة التي أجرتها الشرطة الي جثته أو حطام سيارته أو أدني أثر له ..
بل و دون أي سبب سوي أنه تعدي حدوده في السعي خلف تجربة فيلادلفيا ، والعمل علي سبر أغوارها وكشف أسرارها ..
وباختفاء ( جون كاربنتر ) أسدل الستار علي تلك التجربة المذهلة ، ولم يعد هناك من يتحدث عنها ..
بجدية علي الأقل ..
وعلي الرغم من أن كتاب ( تشارلز بيرلتز ) قد صدر في ثلاث عشرة طبعة حتي الآن ، إلا أن الاهتمام بتجربة فيلادلفيا قد تناقص عمليا ، حتي اقتصر الأمر علي قرائتها ، والانبهار بما حققته ، نظريا علي الأقل ..
ومازال هناك علماء يصرون علي أن هذا ممكن ..
وآخرون يستنكرونه بشدة ..
ومازالت هناك عشرات الأسئلة المطروحة ..
هل حدثت تجربة فيلادلفيا بالفعل ؟!
وماذا كانت نتائجها بالضبط ؟!
ولماذا التستر الشديد عليها ؟!
صحيح أن أحدا لا يعرف جواب تلك الأسئلة ، ولا حتي الاسم الحقيقي للتجربة ، في ملفات البحرية الأمريكية السرية ، ولكنها تحولت في الأذهان الي اسطورة غامضة ..
أسطورة حدثت في فيلادلفيا ، في اكتوبر 1943