قصة ميلاد شارون _ ا. صابر جمعة سعيد

انطلقت صرخاته وسط نفايات إحدى خرب صبرا . تغطى معالمه خرقة من قماش متآكلة بالية . تنبعث منها رائحة غير مقبولة. انتشرت الهوام تنبعث بأعضائه المكشوفة واتخذت من فبه وكرا.. لم يسلم من الحيوانات الضالة، ذئب يمرر منخاره. يتلمسه في تقزز ثم ينفر، ثعلب يقبض بأسنانه وما لبث أن يهوي به في تأفف ، كلب ضال يرفع ساقيه ويتخذ منه ساترا ليقضي حاجته.

ليس للحياة معنى بدون رمز. السعي وراء لقمة العيش يضيع هباء منثورا.. إقامة الجسور والكباري لابد أن ترتكز فوق أعمدة خرسانية حتى تبقى. الجماد تتعدد صوره في كل بقعة أرضية وفضائية. النبات يتوالد ويتكاثر وتتباين ألوانه.. هكذا حدث عليقات نفسه بعد يأسه من العلاج . فمنذ زواجه وهو يلهث وراء القوازير داخل مواخير حانته . يعبئ من الصهباء دون حساب . انطبع عليه الموجده. وتمنى من الودق أن يتساقط لتتطرى له أيامه المقبلة.. وتجسم له أصابع قوية تقبض على مفاتيح حانته الأثرية تذكر عندما عهد لحوزي أن يبحث له عن بارقة أمل مقابل إعطائه صكا مفتوحا في حانته حتى مماته . تهلل وجه الحوزي طربا ولم يهجع ليلتها إلا وشارون تحت أقدام عليقات . تفج منه طلاسم ليس لها هوية.. القوازيز تتحرك في فضاء البار . تتناولها الأيدي في شراهة. وتقبل عليها الأفواه في انسجام . أجساد تتمايل ورقصات تتلى. وموسيقى تنبعث إلى النفوس فتشجيها. وشارون يروح ويجيء في خدمة المريدين. يتلقى الأوامر من دلوه الذي رفعه من غياهب الأيام. فلم ينس الصفعات التي انطبعت على صدغيه . ودائما كان ينتفض كلما تذكر صعقة الكهرباء التي كادت تعصف ببقائه. عندما كشر عن أنيابه في وجه عميلة ، وعندما تسنح له الفرصة تساوره نفسه. يتساءل من أنا؟ ومن أكون؟ وابن من؟ وما سبب وجودي في الحياة ؟.. عاش فترة صباه واهما متوهما في حجرة يتيمة على أطراف قصر عليقات. لا يلعق سوى فتات الموائد. فسخط على كل من هو أعلى منه قدرا ومنزلة . فعندما طلب منه عليقات اصطياد الفتيات إلى سراديب البار. استخذى واجتثم كالطائر ، وأسقط الدلو في آبار السراديب. يغرف ملذاته وشهواته انتقاما من الأرحام التي خذلته . وشهر شارون نصله يغمده في رقاب لم يرض عنها عليقات. وظل معلمه يدربه على أصول سفك الدماء. وقواعد السفح والقتل. وأغرقه في برامج الخدعة والخديعة انتقاما من تاريخه الذي بخل عليه بخامات الصلب. حتى ارتوى بماء أحمر، فتكونت طبقة عازلة بين نبت عقله. ووسادة مخيلته. فأحالت الشروق إلى غروب، وترسبت في أعماقه تربة آسنة وجدتها الشياطين مرتعا لأيامها المقبلة.