كان يوما حزينا تغلفه طيور الموت . كل صباح أفزع من نومي وكأن حيّة تحزمني من نحري . ارتديت بذَّتي وامتطيت حذائي المطعون بعاهة مستديمة . أقدمت لأبسط الملاءة المحسورة عن ساقي أختي ، فقد عبثت بها أحلام الحقائق المتشرنقة داخل جسدها فشلَّتها . أطبقت الباب خلفي . وبات اللسان مكانه . وللأمان أخرجت المفتاح وأدخلته في الثقب . أدرته ناحية اليمين . لم أكتف ، بل وضعت القفل عليه ليطمئن قلبي .
وجدتني أعرج ناحية مطعم صدقي بالعريش . أحسست لأول مرة بأني جوعان ربما لفرحتي باحتضان شهادة الحقوق اليوم . تناولت الطعام في نهم . تذكرت نحري والثعبان من حوله يتلوى . وجدران الحمَّام تأويني . كنت أنا وأسرتي لاجئين فلسطينيين نعيش في لبنان منذ عام 1982 . وبينما كنت قاصدا أحد زملائي . رأيت ما لا تتحمله أجهزتي البكر . أطراف علوية تصرخ . وأطراف سفلية تعوي . ورؤوس حية تتدحرج في ملعب الفناء . ألسنة تتدلى في إجلال . تتجمد فوق أطرافها عبارات تُنطق أحجار الدنيا . سمعت صوتا يناديني . عرفت من صداه أنه جارنا زكريا ذكى دردير . طلب مني مساعدته في رفع رأسه المتدلية إلى مكانها . بجواره فتيات عرايا ينزفن وجثث مذبوحة . نادى زكريا :- ذبحونا الأنجاس . حولوا صبرا وشاتيلا إلى سلخانة نحن حيواناتها . أهربوا من بيوتكم لا تبقوا فيها . لأنهم سيرجعون ليذبحوا الكمية المطلوبة منهم لوليمتهم . تخيلت نفسي قربانا بجوار قطع الخنازير الباردة . استدرت على إثر صوت :- أنتم يا كلاب . ما زلتم على قيد الحياة ؟ ألم تُذبحوا بعد ؟! أخبرت والدي . طرقاً عنيفاً على الباب . ثلاثة عشر مسلحا . اختبأت والدتي وإخوتي في حجرة النوم . تواريت أنا في الحمام . خريطة الضياع انطبعت على محيا والدي . تمتم بالشهادة . كبلوه مع أخويَّ اللذين يكبراني بعامين . اغتصبوا أمي وأختي أمامهم . لم يتحمل والدي ما رآه . صعدت روحه . أطلقوا النيران على الجميع وأنا ما زلت في الحمَّام . خرج الأوغاد . قلَّبت الجثث . أختي ما زالت على قيد الحياة . جسدها الأبيض تخضَّب بشلالات عرسها المسروقة . ترنحت . أحسَّت بوجودها . أسرعت لمساعدتها . غطيت فروع شجرتي بملابسهم المبللة المجاورة لهم والمغموسة برائحة الجنة ، وبينما أتناول طعامي . ابتعت صحيفة من صبي صغير . ينادي جرايد جرايد . وضعتها بجواري حاصرت عدسات عيني عبارة مخطوطة بمداد أحمر يشبه شلالات عرس أختي تقــــول ( لا فائدة في شارون ولا فائدة من تهديداته ) . رجعت إلى البيت . عاهدت نفسي ألا أضع قفلاً على الباب أو أحرك اللسان على اليمين . وسوف أكتفي بغلق الباب على أختي .